فصل: الخبر عن رياسة ابنه أبي ثابت من بعده ومصير أمرهم:

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
الصفحة الرئيسية > شجرة التصنيفات
كتاب: تاريخ ابن خلدون المسمى بـ «العبر وديوان المبتدأ والخبر في أيام العرب والعجم والبربر ومن عاصرهم من ذوي السلطان الأكبر» (نسخة منقحة)



.الخبر عن رياسة ابنه أبي ثابت من بعده ومصير أمرهم:

لما هلك شيخ الغزاة ويعسوب زناتة عثمان بن أبي العلاء قام بأمره وقومه ابنه أبو ثابت عامر وعقد السلطان أبو عبد الله بن أبي الوليد له على الغزاة المجاهدين كما كان أبوه فعظم شأنه قوة وشكيمة وكثرة عصابة ونفوذ رأي وبسالة وكان لقومه اعتزاز على الدولة بما عجموا من عودها وكانوا أولي بأس وقوة فيها واستبداد عليها وكان السلطان محمد بن أبي الوليد مستنكفا عن الاستبداد عليه في القلة والكثرة فكان كثيرا ما يخرقهم بتسفيه آرائهم والتضييق عليهم في جاههم ولما وفد على السلطان أبي الحسن سنة اثنتين وثلاثين وسبعمائة صريخا على الطاغية واستبد ابنه الأمير أبا مالك لمنازلة جبل الفتح اتهموه بمداخلة السلطان أبي الحسن في شأنهم فتنكروا وأجمعوا الفتك به وداخلوا في ذلك بعض صنائعه ممن كان متربصا بالدولة فساعدهم ولما افتتح الجبل وكان من شأنه ما قدمنا ذكره وزحف الطاغية فأناخ عليه وقصد ابن الأحمر الطاغية في بنيه راغبا أن يرجع إلى الحصن فرجع وافترقت عساكر المسلمين ارتحل السلطان ابن الأحمر إلى غرناطة سنة ثلاث وثلاثين وسبعمائة وقد قعدوا له بمرصد من طريقه ونمي الخبر إليه فدعا بأسطوله لركوب البحر إلى مالقة واستبق إليهم الخبر بذلك فتبادروا إليه ولقوه بطريقه من ساحل اصطبونة فلاحوه وعاتبوه في شأن صنيعته عاصم من معلوجيه وحاجهم عنه فاعتوروا عاصما بالرماح فنكر ذلك عليهم فألحقوه به وخر صريعا عن مركوبه وبعثوا إلى أخيه يوسف فأعطوه بيعتهم وصفقة أيمانهم ورجعوا به إلى غرناطة وهو حذر منهم لفعلتهم التي فعلوا واستمرت الحال على ذلك ولما استكمل السلطان أبو الحسن فتح تلمسان وصرف عزائمه إلى الجهاد داخل ابن الأحمر في إزاحتهم عن الأندلس مكان جهاده فصادف منه إسعاف وقبولا وحرصا على ذلك وتقبض على أبي ثابت وإخوته إدريس ومنصور وسلطان وفر أخوهم سليمان فلحق بالطاغية وكان له في يوم طريف أثر في الإيقام بالمسلمين ولما تقبض ابن الأحمر على أبي ثابت وإخوته أودعهم جميعا المطبق أياما ثم غربهم إلى إفريقية فنزلوا بتونس كل مولانا السلطان أبي يحيى وأوعز إليه السلطان أبو الحسن بالتوثق منهم أن يتصلوا بنواحي المغرب ويخالفوه إليها أيام شغله بالجهاد في الأندلس فاعتقلهم وأوفد أبا محمد بن تافراكين إلى سدة السلطان أبي الحسن إليه شفيعا فيهم فتقبل شفاعته وأحسن نزلهم وكرامتهم حتى إذا احتل بسبتة أيام حصار الجزيرة في سنة ثلاث وأربعين وسبعمائة سعى بهم عنده فتقبض عليهم واعتقلهم بمكناسة ولما انتزى ابنه الأمير أبو عنان على الأمر وهزم منصور ابن أخيه أبي مالك صاحب فاس ونازله بالبلد الجديد بعث فيهم إلى مكناسة فأطلقهم من الاعتقال وأفاض فيهم الإحسان واستظهر على شأنه وأحل أبا ثابت محل الشورى من مجلسه وداخل إدريس أخاه في المكر بالبلد الجديد فنزع إليها ومكر بهم وثار عليهم إلى أن نزلوا على حكم السلطان أبي عنان فعقد لأبي ثابت على سبتة وبلاد الريف ليشارف منها الأندلس محل إمارته وأطلق يده في المال والجيش وفصل لذلك فهلك بالطاعون يومئذ سنة تسع وأربعين وسبعمائة بمعسكره أزاء معسكر السلطان من حصار البلد الجديد واستقر إخوانه في إيالة السلطان أبي عنان بالمغرب الأقصى إلى أن كان من مفر أخيه إدريس وولايته على الغزاة بالأندلس ما نذكره إن شاء الله تعالى.

.الخبر عن يحيى بن عمر بن رحو وإمارته على الغزاة بالأندلس أولا وثانيا ومبدأ ذلك وتصاريفه:

كان رحو بن عبد الله كبير ولد عبد الله بن عبد الحق وكان له بنون كثيرون وتشعب نسله فيهم منهم: موسى وعبد الحق والعباس وعمر ومحمد وعلي ويوسف أجازوا كلهم إلى الأندلس مع أولاد سوط نساء من تلمسان كما قدمناه وأقام عمر بعدها بتلمسان مدة واتخذ بها الأهل والولد ثم لحقهم ولد موسى إمارة الغزاة بعد إبراهيم ابن عيسى الوسنافي وبعده أخوه عبد الحق على الغزاة أقام بها مدة وأجاز إلى سبتة مع الرئيس أبي سعيد وعثمان بن أبي العلاء سنة خمس وسبعمائة وولى بعدها على الغزاة المجاهدين ثم رجع إلى الأندلس ولم يلبث بها أن أجاز إلى المغرب ونزل على السلطان أبي سعيد فأكرم نزله ثم رجع إلى الأندلس ولما ولي إمارة الغزاة عثمان بن أبي العلاء وكان بينهم من المنافسة ما يكون بين فحول الشول أشخص بني رحو جميعا إلى إفريقية فزلوا على مولانا السلطان أبي يحيى خير نزل اصطفاهم واستخلصهم واستظهر جمعهم في حروبه وهلك عمر بن رحو ببلاد الجريد وقبره ببشرى من نفزاوة معروف ونزع ابنه يحيى من بين إخوته عن مولانا السلطان أبي يحيى وصار في جملة ابن أبي عمران ثم لحق بزواوة وأقام في بني يتراتن سنين ثم أجاز إلى الأندلس واستقر بمكانه من قومه واصطفاه عثمان بن أبي العلاء وأصهر إليه بابنته وخلطه بنفسه ولما فسد ما يبنه وبين ابن المحروق وزير السلطان بغرناطة سنة سبع وعشرين وسبعمائة واعصوصب عليه الغزاة بمعسكره من مرج غرناطة دس إليه يومئذ ابن المحروق إلى يحيى بن عمر هذا ودعاه إلى مكان عمله ليضبطه بذلك فأجاب ونزع عن عثمان وقومه إلى ابن المحروق وسلطانه وعقد له على الغزاة فتسايلوا إليه عن عثمان شيخهم وانصرف إلى المدية وكان من شأنه ما قصصناه في أخباره وأقام يحيى بن عمر في رياسته إلى أن هلك ابن المحروق بفتكة سلطانه واستدعى عثمان بني أبي العلاء للرياسة فرجع إليها وصرف يحيى بن عمر إلى وادي آش وعقد له على الغزاة بها فأقام حينا ثم رجع إلى مكانه بين قومه واصطفاه عثمان بن أبي العلاء وابنه أبا ثابت لما كانت أمه بنت موسى بن رحو فكان يتعصب لخؤلته فيهم ثم هلك عثمان وكان ما قدمناه من شأن ولده وفتكهم بالسلطان المخلوع وتقبض أخوهم أبو الحجاج عليهم وأشخصهم إلى أفريقية وقوض مباني رياستهم وعقد على الغزاة مكانهم ليحيى بن عمر هذا فاضطلع بها أحسن اضطلاع واستمرت حاله وحضر مشاهد أبي الحجاج مع السلطان أبي الحسن فظهرت كفايته وغناؤه ولما هلك أبو الحجاج سنة خمس وخمسين وسبعمائة طعينا بمصلى العيد في أخر سجدة من صلاته بيد عبد من عبيد اصطبله مصاب في عقله أغري زعموا به وقتل لحينه هبرا بالسيوف وبويع لابنه محمد أخذ له البيعة على الناس يومئذ مولاه رضوان من معلوجاتهم حاجب أبيه وعمه وقام بأمره واستبد عليه وحجره فقاسم يحيى بن عمر هذا في شأنه وشاركه في أمره وشد أزر سلطانه به حتى إذا ثار بالحمراء الرئيس ابن عمهم محمد ابن إسماعيل بن محمد ابن الرئيس أبي سعيد قائما بدعوة إسماعيل بن أبي الحجاج أخي السلطان محمد كان ساكنا بالحمراء وتحينوا لذلك مغيب السلطان في متنزهه بروضة خارج الحمراء فخالفوه إليها وكبسوها ليلا فقتلوا الحاجب المستبد رضوان وأجلس السلطان على سرير ملكه ونادوا بالناس إلى بيعته ولما أصبح غدا عليهم يحيى بن عمر بعد أن يئسوا منه وخشوا عاديته فأتاهم ببيعته وأعطى عليها صفقته وانصرف إلى منزله وبعد استيلائهم استخلصوا إدريس بن عثمان بن أبي العلاء كان وصل إليهم من دار الحرب بأرض برشلونة كما نذكر وولوه إمارة الغزاة وائتمروا في التقبض على يحيى بن عمر ونذر بذلك فركب في حاشيته يؤم دار الحرب من أرض الجلالقة واتبعه إدريس فيمن إليه من قومه فقاتلهم صدر نهاره وفض جموعهم ثم خلص إلى تخوم النصرانية ولحق منها بسدة ملك المغرب أثر سلطانه المخلوع محمد بن أبي الحجاج وخلف ابنه أبا سعيد عثمان بدار الحرب ونزل يومئذ على السلطان أبي سالم سنة إحدى وستين وسبعمائة فأكرم مثواه وأحله من مجلسه محل الشورى والمؤامرة واستقر في جملته إلى أن بعث ملك قشتالة في السلطان المخلوع بإشارة ابنه أبي سعيد وسعايته في ذلك ليجلب به على أهل الأندلس بما نقضوا من عهده وجهزه السلطان أبو سالم سنة ثلاث وستين وسبعمائة فصحبه يحيى بن عمر هذا ولقيهم ابنه أبو سعيد عثمان وقاموا بأمر سلطانهم واستولى على الأندلس بمظاهرتهم وكان لهم أثار في ذلك ولما استولى على غرناطة سنة ثلاث وستين وسبعمائة عقد ليحيى بن عمر على إمارة الغزاة كما كان وأعلى يده واستخلص عثمان لشوراه وخلطه ببطانته ونافسه الوزير يومئذ محمد بن الخطيب فسعى فيهم وأغرى السلطان بهم فتقبض عليهم سنة أربع وستين وسبعمائة وأودعهم المطبق ثم أشخص يحيى سنة ست وستين وسبعمائة إلى المشرق وركب السفن من المدية فنزل بالاسكندرية ورجع منها إلى المغرب ونزل على عمر بن عبد الله أيام استبداده واستقر في كرامة وخير مقامة ولم يزل بالمغرب على أعز الأحوال إلى أن هلك سنة اثنتين وثمانين وسبعمائة ثم استخلص ابنه أبا سعيد عثمان من الاعتقال سنة تسع وستين وسبعمائة إلى إفريقية ونزل ببجاية على مولانا السلطان أبي العباس حافد مولانا السلطان أبي يحيى واستقر في جملته وحضر معه فتح تونس وأبلى فيه وأقطع له السلطان وأسنى له الجراية وخلطه بنفسه واصطفاه لشوراه وخلته وهو لهذا العهد من عظماء مجلسه وظهرائه في مقامات حروبه وإخوته بالأندلس على مراكز عزهم وفي ظلال عصبيتهم مع قومهم وقد ذهب مواجد السلطان بالأندلس عليهم وصار إلى جميل رأيه فيهم والله مالك الملك ومقلب القلوب لا رب غيره.